قام بعض العقلاء بإرشادي إلى المكان الذي اُغتيل فيه بعض حرّاس المرمى والمدافعين ، والذي كان بجوار ميدان الفروسيّة سابقاً ، ولم أرتعب في حياتي مطلقاً من مشهد كهذا ! ، فقد كان الملعب كتلة واحدة من الدموع ، ولا أبالغ إذا أخبرتكم أنَّ كعبيّ حذائي كانت أكثر من مغطاة بملابس هؤلاء الحُرّاس والمدافعين التُعساء إذ تناثرت أجزاء من ملابسهم وجواربهم وأحذيتهم ، ومن آثار انزلاقهم على العشب الأخضر ودماء على العوارض جرّاء اصطدام بعضهم بها إبَّان الجريمة الماجديّة الكاملة ، يا لهُ من منظر شديد الإيلام ، كم تمنيّت أن يؤخذ حُرّاس ومدافعو الوقت الحاليّ إلى هناك حتى يروا البربريّة الماجديّة التي عانى منها أسلافهم القدامى .
بدأ الأمر عندما هاجم ماجد يوم الخامس عشر بعدما هَزم الهريفي في معركة ( ملعب الملزّ ) الحرس الأزرق عند خط التماس ، بدأ ماجد فأخذ أسيراً أول الأمر فشنقه في منتصف الملعب على بعد غير يسير من المرمى ، كان شنقه بالجندلة أمراً شنيعاً ، إذ أنَّه عُزر قبل جندلته ، سقط ثم قام ثم سقط وجاهد كي يُحرر نفسه ، لكن لا فائدة مع ماجد ! .
استمر ماجد في التوغل ، صادفه آخر وبجلدات قليلة أدّى ماجد المهمة ودُفن اللاعب وسط الملعب ، وأصوات الجمهور تضجّ بدعاء الرحمة ، والحكم تفرغ لكتابة الوصيّة .
تحية لكم من أعلى نقطة في الرياضة ، رأس ماجد .
وقد سمعت عن تذاكر تُباع بألف ريال ! ، لقد فقدت النقود قيمتها لوجود ماجد ، والنّاس يقدمون أسعاراً خياليّة لهذه التذاكر ، فالدرجة الأولى سعرها ألف وكذا ، والثانية كذا وكذا ! ، لقد عمّت الفوضى أرجاء البلاد ، فانهارت أسواق النفط وتجمهر العالم حول الجزيرة العربيّة ، وعاش العالم 90 دقيقة من التوعك الماجدي .
وقد لزمنا ملعب الملز طيلة 30 يوماً لا نخرج حرصاً على حجز مكان لرؤية الأسمر مرة بعد مرة ، بل إننا بدأنا نلزم أنفسنا بتناول قطعة من الخبز الجاف لكل واحد يومياً ، وقريباً – وهذا ما خشيته – قد نضطر لأكل لحم بعضنا البعض ! .
كان ماجد شبحاً لا يُرى في الملعب ، فهو كالجندي الألماني في زيّهِ ، رمادي مائل للخضرة ، إنه اللون الرمادي لدقائق ما قبل انبلاج نور النهار ، رمادي الصلب ، والضباب بين الأشجار الخضراء ؛ فماجد عندما ينظر ناحية الجمهور المحتشد تشعر بأنه يرى الجميع دونما تمييز ، يرى المدرجات كلها ابتداءً بالدرجة الثانية و مروراً بالأولى و وصولاً بالممتازة وانتهاءً بالمنصّة ، وكأنه الموناليزا مع فارق بسيط لصالح ماجد عبد الله .
ففي الثمانينيات عندما كنا نخاف من علم الكويت ، ونخشى جاسم يعقوب ، ونهاب الطرابلسي ، حضر ماجد وقلب الموازين وأعاد صياغة التاريخ ، فاعتزل يعقوب وتحوّل الطرابلسي من حارسٍ للمرمى إلى قارئ للقرآن تفتتح به قناة الكويت بثّها في علامة واضحة وصريحة على حسن التربية الماجديّة ، بل إن المُطرب الكويتي عبد الكريم عبد القادر تغنّى بهذا الأسمراني في الأيّام التي كان يضرب فيها ماجد مرمى الكويت ويدُّكه دكّاً دلالة أخرى بأن السحر الماجدي قد طاف أرجاء البلاد وعمّ العباد ، وهل ينسى أحد عاقل منّا قول الحربان – المُعلق الكويتي الشهير – مُعلقاً ( خلاص يا ماجد ، كفاية ، تكفى لا تسجل ! ) ، فظهر التسامح الماجدي وتوقف عن التسجيل وتحوّل إلى الجندلة فقط مع إرفاق تهديدات للطرابلسي على شكل شظايا ماجديّة دائرية .
هل حدث ذلك ، أم أن الأمر مجرد خدعة ؟
ثلاثة أحب الحديث عنهم دونما كلل أو ملل ، وعلى الرغم من ذلك كله إلا أنني أحس فور الانتهاء من الكتابة أني أنقصت من حقهم الشيء الكثير ، الثلاثة هم ماجد وطلال وبقيّة الناس .
عندما يحاول صالح النعيمة* – هدّاف كأس آسيا 83 بالمقلوب – أن يرمق المباراة بنظرة سَبعْ وكأنه يدرس المهاجمين بينما يقبع خلفه أعظم خطر على سمعته يكون غبياً ومكشوفاً ، بل إنَّ يوسف خميس – الثاني من اليمين بالأسفل – فغر فاه تلميحاً منه للمصور بأن صالح النعيمة مكشوف ومعروف .
ماجد أحمد عبد الله وتحيّة إجلال وإكبار لعبقريّة ستبقى دوماً في القلوب والعقول